فوائد من تفسير الشيخ صالح المغامسى
فوائد من تفسير الشيخ صالح المغامسى
عدم العلم ليس علما بالعدم قال الله جل وعلا: {اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } (الرعد:2) هذه الآية فيها إشكال لأن الله لم يفصل ما بين {عَمَدٍ} وما بين {تَرَوْنَهَا}... يحتمل معنى الآية أمرين: الأمر الأول: أن يكون للسماء عمد لكنها لا ترى فيصبح الإعجاز أين؟ في عدم قدرتنا على رؤية العمد التي تتكيء عليها السماء...هذا قول قال به ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وقال به بعض العلماء... الأمر الثاني: جمهور العلماء على أن السماء أصلا ليس لها عمد وأن قول ربنا جل وعلا: {اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} إنما جيء بجملة {تَرَوْنَهَا} فعل وفاعل ومفعول به متصلة ببعضها البعض تأكيد للنفي، والمنفي هنا: أن يكون للسماء عمد... أي أن الآية توجه توجيهين: التوجيه الأول: أن يقال إن للسماء فعلا عمد فقول ربنا: {اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} يصبح معنى {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} أن السماء مرفوعة بعمد لكن تلك العمد (جمع عمود) لا تراها... التوجيه الآخر: وهو الذي عليه جمهور العلماء وهو أنها ليس لها عمد وهذا القول - أي الثاني – يؤيده قول الله جل وعلا: {وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ} وما يؤيده القرآن من رأي أولى من رأي لا نجد له دليلا من القرآن، فالقول الذي نرى له دليلا آخر من القرآن أولى بالقبول من رأي لا نرى له دليلا من القرآن... ولا نقول ليس له دليل من القرآن... نقول إن القول الذي لا نرى له دليلا من القرآن أقل من القول الذي نرى له دليلا من القرآن ولا نقول أنه ليس له دليل من القرآن... ما الفرق؟ قد يكون هناك دليل لكن نحن لا نعرفه فلا ننفي الشيء لأننا لا نعرفه فـ " عدم العلم ليس علما بالعدم " فأنت قد لا تعلمه لكنه موجود.... نأتي بقرينة على هذا من كلام ربنا جل وعلا: الله جل وعلا قال عن ذي القرنين: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} الشمس لا تغرب في عين حمئة... الله يقول عن ذي القرنين أنه وجد الشمس تغرب في عين حمئة، أنت إذا وقفت في شاطيء جدة سترى الشمس تغرب في البحر، وإذا وقفت هنا في أرض الحجاز ونظرت غربا ستراها تغرب في الجبال، وفي صحراء نجد تراها تغرب في الصحراء، فالله قال عن ذي القرنين: {وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} ولم يقل الله إن الشمس تغرب في عين حمئة وإنما نسب هذا الأمر لذي القرنين حسب علمه فهو وصل إلى مرحلة في المسير في الحرب في فتح المدن إلى أن وصل إلى منطقة في جهة الغرب فيها عين حمئة أي عين متقدة عين حارة فهو منتهى ما وصل إليه أنه وجد الشمس تسقط في ذلك المكان، فالله جل وعلا يحكي ما رآه ذو القرنين فقال: {وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} لكن لو كان هناك قدرة عند ذي القرنين أعطاه الله إياها تجاوز بها تلك العين لرأى الشمس تغرب في مكان آخر، فالله قص لنا مقدار ما وصل إليه ذو القرنين... فنحن نقول أن {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} لا نعلم في القرآن دليلا يؤيد الرأي القائل أن لها عمد لكن نعلم في القرآن أن هناك دليلا يؤيد القول القائل بأنها ليس لها عمد وهو قول الله جل وعلا: {وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ}....