حكمة
حكمة
روائع الحكمة لابن حزم
وأما سوء الظن فيعده قوم عيباً على الإطلاق ؛ وليس كذلك، إلا إذا أدى صاحبه إلى ما لا يحل في الديانة، أو إلى ما يقبح في المعاملة، وإلا فهو حزم، والحزم فضيلة... النائل مني لا يخلو من أحد وجهين لا ثالث لهما: إما أن يكون كاذباً، وإما أن يكون صادقاً. فإن كان كاذباً فلقد عجل الله لي الانتصار منه على لسان نفسه، بأن حصل في جملة أهل الكذب. وبأن نبه على فضلي بأن نسب إليّ ما أنا منه بريء العرض، وما يعلم أكثر السامعين له كذبه، إما في وقته ذلك، وإما بعد بحثهم عمّا قال. وإن كان صادقاً فإنه لا يخلو من أحد ثلاثة أوجه: إما أن أكون شاركته في أمر استرحت إليه استراحة المرء إلى من يقدر فيه ثقة، وأمانة، فهذا أسوأ الناس حالة، وكفى به سقوطاً وضعة. وإما أن يكون عابني بما يظن أنه عيب وليس عيباً، فقد كفاني جهله شأنه، وهو المعيب لا من عاب. وأما أن يكون عابني بعيب هو فيّ على الحقيقة، وعلم مني نقصاً أطلق به لسانه، فإن كان صادقاً: فنفسي أحق بأن ألوم منه، وأنا حينئذ أجدر بالغضب على نفسي مني على من عابني بالحق.