فصل
فصل
أسرار الصَّلاة للإمَام العلامَة ابن قيِّم الجَوزيَّة
فمتى تجئ الأذواق الصحيحة المستقيمة إلى قلوب قد انحرفت أشد الانحراف عن هدي نبيها صلى الله عليه و سلم، و تركت ما كان عليه هو و أصحابه و السلف الصالح، فإنهم كانوا يجدون الأذواق الصحيحة المتصلة بالله عز و جل في الأعمال: الصلاة المشروعة، و في قراءة القرآن، و تدبره و استماعه، و أجر ذلك، و في مزاحمة العلماء بالركب، و في الجهاد في سبيل الله، و في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و في الحب في الله و البغض فيه، و توابع ذلك، فصار ذوق المتأخرين ـ إلا من عصمه الله ـ في اليراع و الدف، و المواصيل، و الأغاني المطربة من الصور الحسان و الرقص، و الضجيج، و ارتفاع الأصوات، و تعطيل ما يحبه الله، و يرضاه من عبادته المخالفة لهوى النفس.فشتَّان بين ذوق الألجان و ذوق القرآن و بين ذوق العود و الطنبور، و ذوق المؤمنين و النُّور، و بين ذوق الزَّمر و ذوق الزمر، و بين ذوق الناي و ذوق { اقتربت السَّاعة و انشق القمر } [القمر: 01] و بين ذوق المواصيل و الشبَابات و ذوق يس و الصافات، و بين ذوق غناء الشعر و ذوق سورة الشعراء، و بين ذوق سماع المكاء و التصدية و ذوق الأنبياء. و بين الذوق على سماع تُذكر فيه العيون السود و الخصور و القدود، و ذوق سماع سورة يونس و هود، و بين ذوق الواقفين في طاعة الشيطان على أقدامهم صواف، و ذوق الواقفين في خدمة الرحمن في سورة الأنعام و الأعراف، و بين ذوق الواجدين على طرب المثالث و المثاني، و ذوق العارفين عند استماع القرآن العظيم و السبع المثاني، و بين ذوق أولى الأقدام الصفات في حظيرة سماع الشيطان، و ذوق أصحاب الأقدام الصافات بين يدي الرحمن. سبحان الله هكذا تنقسم و المواجيد، و يتميز خُلق المطرودين مِن خُلق العبيد، و سبحان الممد لهؤلاء و هؤلاء من عطائه و المفارق بينهم في الكرامة يوم القيامة، فوالله لا يجتمع محبو سماع قرآن الشيطان و محب سماع كلام الرحمن في قلب رجل واحد أبداً. كما لا تجتمع بنت عدو الله و بنت رسول الله عند رجل واحد أبداً. أنت القتيل بكلِّ مَن أحببته ** فاختر لنفسك في الهوى مَن تصطفي