باب بيان ما أعد الله تعالى للمؤمنين في الجنة
باب بيان ما أعد الله تعالى للمؤمنين في الجنة
تطريز رياض الصالحين
عن صهيب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم». رواه مسلم.
----------------
يشهد لهذا الحديث وغيره، قوله تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} [يونس (26)]. قال ابن كثير: يخبر تعالى أن لمن أحسن العمل في لدنيا بالإيمان، والعمل الصالح، الحسنى في الدار الآخرة، كقوله تعالى: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} [الرحمن (60)]. وقوله: {وزيادة} هي تضعيف ثواب الأعمال بالحسنة عشر أمثالها إلى سبع مئة ضعف، وزيادة على ذلك أيضا، ويشمل ما يعطيهم الله في الجنان من القصور والحور والرضا عنهم، وما أخفاه لهم من قرة أعين، وأفضل من ذلك وأعلاه النظر إلى وجهه الكريم. فإنه زيادة أعظم من جميع ما أعطوه، لا يستحقونها بعملهم بل بفضله، ورحمته. وقد روي تفسير الزيادة بالنظر إلى وجهه الكريم، عن أبي بكر الصديق، وغيره. وذكر حديث صهيب وغيره. منها: ما رواه ابن جرير، وغيره من حديث أبي بن كعب، أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قول الله عز وجل: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}، قال: «الحسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى وجه الله عز وجل». قال الله تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم * دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين}... [يونس (9، 10)]. قال ابن كثير: هذا إخبار عن حال السعداء الذين آمنوا بالله، وصدقوا المرسلين، وامتثلوا ما أمروا به، فعملوا الصالحات بأنه سيهديهم بإيمانهم، أي: بسبب إيمانهم في الدنيا، يهديهم الله يوم القيامة على الصراط المستقيم حتى يجوزوه، ويخلصوا إلى الجنة. إلى أن قال: وقوله: {دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} [يونس: (10)]. قال ابن جريج: أخبرت أن قوله: {دعواهم فيها سبحانك اللهم} قال: إذا مر بهم الطير قالوا: سبحانك اللهم، وذلك دعواهم، فيأتيهم الملك بما يشتهونه، فيسلم عليهم فيردون عليه، فذلك قوله: {وتحيتهم فيها سلام}. قال: فإذا أكلوا حمدوا الله ربهم، فذلك قوله: {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين}، إلى أن قال: وقوله: {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} هذا فيه دلالة على أنه تعالى هو المحمود أبدا، المعبود على طل المدا، ولهذا حمد نفسه عند ابتداء {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب} [الكهف: (1)]، {الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض} [الأنعام: (1)] إلى غير ذلك من الأحوال التي يطول بسطها، وأنه المحمود في الأولى والآخرة، في الحياة الدنيا وفي الآخرة، في جميع الأحوال، ولهذا جاء في الحديث: «أن أهل الجنة يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس»، وإنما يكون ذلك كذلك لما يرون من تزايد نعم الله عليهم، فتكرر، وتعاد، وتزاد، فليس لها انقضاء ولا أمد، فلا إله إلا هو، ولا رب سواه.